إن المرء ذي الفطرة السوية، و إن المسلم الحق ليعيش ألما شديدا، و خجلا صادقا من مراقبة المولى له و هو يجلس على الموائد مختلفة الأشكال و الألوان و الأذواق، أمام منظر مؤلم يشاركه التلفزيون اولا بأول و لحظة بلحظة، يحكي عن حال إخوة لنا في غزة، نساهم البعض، و تناساهم البعض، و حال العجز أو الوهن دون البعض من نصرتهم، و نحن الأمة ذات الجسد الواحد، و المصير المشترك، لكن يا ترى هل نحن فعلا كذلك؟، ففي الحديث : (( مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر))، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، هل نحن كذلك، كيف عبرنا عن تفاعلنا تلبية و مساندة لهذا العضو المتألم من جسد هذه الأمة؟ ما هو العذر أمام الله، بل ما هو العذر أمام نبي الأمة؟
إن الجهد يختلف من انسان لإنسان، بحسب مكانته و قوته و تأثيره، و ربما موقعه في القرب أو البعد من الحدث، غير أن المسؤولية لا يمكن التخلص منها نهائيا مهما تناقص الجهد و قل التأثير، و لعل عبارة (( وذلك أضعف الإيمان ))، تعزز حقيقة أن الجميع مطالب وجوبا بتسجيل موقفه مما يحدث لأهلنا في غزة خاصة خلال شهر رمضان، الذي حل اليوم عليهم و كافة جوانب الحياة معدومة، حيث لا غذاء و لا دواء و لا مأوى و لا اجتماع لعائلة دون ذكرى لحبيب شهيد أو عزيز مفقود، و لا ظروف مواتية لإقامة الصلاة جماعة دون خوف أو الم، حيث المساجد هدمت و مراكز التثقيف و المطالعة خربت، و الفضاءات الترفيهية مسحت من ارض غزة بالكامل، إنها الحقيقة التي على الجميع طرحها و استحضارها يوميا على مائدة الإفطار جنبا إلى جنب مع الموائد، و مدارستها مع الصغار لابتلاع جزء من آلام هذه الأمة و حتى لا ينجح العدو في تمزيق شعورنا بالوحدة و الذي هو احد أهدافه المقدسة عبر كل جيل.
رمضان مبارك للجميع.