ورقة كتبتها قبل عشر سنوات ونيف، ولم تزل (تؤكل على النار) قصا ولصقا، دون الإشارة للمصدر، وهاهي كاملة لمن أراد أن يقص أو أراد استنساخا:
محمد ولد انگذي الملقب (لعور) كان من أشهر فناني المنتبذ القصي وأحسنهم صوتا قيل فيه:
بحُبّ رسول الله طابَ لك الوقت :: وزانكَ بين الناس صوتُك والسّمتُ
وإن حلّ يوما في ديارك شاعـرٌ :: ف ما رأيُه إلا التواضعُ والصمتُ
ويقول فيه البيضاوي الجكني باشا تارودانت:
لعمري لقد خضتُ القرى من كُناكري :: وجاوزت أرض الصين بعد الجزائر
وبالمغرب الأقصى دياري ونشأتي :: وسامرت أرباب الغنا والمزامر
فما سمعت أذني ولا ناظري رأى :: كذا الأعور المشهور من كل شاعر
وقال فيه العلامة أبومدين بن الشيخ أحمد بن اسليمان:
من كان أصلعَ فليضرب ليطربنا :: أو كان أعور فليشدو بما شاءا
ياليت كلَّ مغنٍ كان ذا صلع :: أوكانت العينُ عينا منه عوراءا
وظل صوت لعور على نَداوته لم تغيره السنون.
حضر الشيخ ولد مكين أهوال لعور، وقال عنه ذات هول وقد شاب الندماء وشاخ الزمان وظل لعور شابا في عطائه يسقي القوم من هوله صافية لا للسلاف ولا للورد رياها:
شبن واكبرنَ عن ذ اليم :: غير الفتى من صنيعُ
يشيبُ كثيرا واتم :: الطباعُ يوافيعُ
سجل الفنان لعور في أربعينيات القرن الماضي هولا للفرنسيين وبثه حينها راديو “برازفيل” الملتقط في دكار لكن ذلك الهول لايزال مفقودا فقد أخبرني أحد الباحثين أنه بحث عنه في أرشيف إفريقيا “فرنسا ما وراء البحار” في باريس وأعمل المطي في طلابه في دكار فلم يعثر عليه، فليتنا نجد ذلك التسجيل فبي شوق لسماع ذلك الصوت الذي قال محمدن ولد ابن المقداد عن صاحبه:
لعاد إلّ من لنسْ :: شاعر بين البحرين
أزين حسّو من حِسْ :: امْحمد، حّسو زين
فلا شك أن حسّه زين، لقد أحيا لعور السنين ذوات العدد الكثير من الأهوال في دار أهل ابن المقداد ومن ثم كثر ثناء ول ابن المقداد على صوته يقول عنه:
عندك تشبط فالترداد :: ترغ واتصولح تُنحَ
والمهر إعل التشبط زاد :: إعياطو شبكَ يمبَّحَ
ويقول:
لعور حسو يالناس خرق :: عاد من متن زين
يلال منو زاد فرق :: بين الشعار ء بينو
ويقول:
لعور حسو يل گط عامْ :: لوّلْ شاحنتْ إفزينُ
لعور راعيه اليوم وامْ :: شِحان إفلعور عينُ
ويقول
زينين أظفارك شن طن :: والمهر إمنين إتهين
يتليع والتشبطن :: إعل لمهار إنين
وذات هول أعلن لعور عن شور جديد هو (دزّيتْ امبرْ) وصادف ذلك أول إطلالة للشاعر محمد ولد ابنو الذي ولج دار محمد ولد ابنو المقداد، وكان حدثا صحبة أحد أصدقائه، ولم يكن حينها معروفا، وكان ولد أبن المقداد في تلك اللحظة مستلقيا على أرجوحة وضعت له في صالونه ومعه مجموعة من الأدباء من بينهم شماد ولد أحمد يوره، والولي ولد الشيخ يبّه، والوالد ولد القطب، وغيرهم..
داعب لعور تديتنه وشدا بالشور الجديد”دزيت امبر”.
فقال ولد ابن المقداد:
إمبرْ إلّ گال المَجّاد :: بصلعَ بخزرَ من زرْ
ذاكُ كيفْ إمبرْ إلَعاد :: إلّ لاهِ ينگال إمبر
وقال شماد:
الناسْ إلَ
باجنـــاس :: عنك تگدرْ تُحامِر فُـرْ
ذاكْ الا گول الناسْ، الناس :: اتمَشِي لگوارب فالبِر
وقال الوالد:
امْخَممنِ فامرْ الحيــاةْ :: عودانِ نافد گدْ اشبرْ
وَلاّ نكبرْ والطافـلات :: گِذّ گِذّ وحــدَ تكبــــرْ
فقال ولد ابنو ولم يكن معروفا:
شاعرْ فالهولْ امعاكْ اتلَ :: إعـودْ افـزرْ ؤُعدتْ افــزر
ذاك الزرْ امنْ الهولْ اخلَ :: ؤُذاك الزرْ امن الهولْ اعْمِرْ
فجلس ولد ابن المقداد في أرجوحته وكان مستلقيا وقال “ذاك گاف”
فأضاف شماد نعم “ذاك كاف”..
حين قتل الأمير أحمد ولد الديد الأمير أحمد سالم ولد إعل “بياده” عند “انواكل” سنة 1905 كان الأعور مع “بياده” فحمله أحمد للديد معه في طريقه لقتل أعمر ولد إعل شقيق بياده، وحين وصلا لأعمر قال وقد باغتاه لابد أنكم قتلتم بياده فقال أحمد ولد الديد: “اكتلناه واكتلن راجل حاكمْ گلبو”
فقال لعور: ماگط بعد احكم ماه گلبو، في إشارة لكرم بياده.
وكان التنافس “لبهار” بين إيگاون شائعا وكان يدفع الفنان ليلقي بكل طاقته ليدرأ عن نفسه الغلب، ويحكى أنه ذات هول قدم فنان شهير على أهل الشيخ سعد بوه فقال قوم ماله إلا امحمد (لعور) وكان موجودا في النمجاط حينها، ورُكّب أزوان وبدأ الهول بعد العصر وتناشد الفنان مع الأعور فطغا صوت الفنان على صوت لعور وبدا الأعور كالمرتبك فنهض أحدهم إلي الشيخ سعد بوه وكان في بنية بعيدا عن خيام الهول التي نصبت في طرف الحي وقلت له: شيخنا إن فنانك لاهي ينغلب فافزع له، قال: فأخذ الشيخ تمرة ومضغها وقالت اعطها له فما إن تناول لعور التمرة حتى سرى فيه الحماس كأنما نشط من عقال وأرغى وأزبد فتلاشى الغريم أمام الصوت الهادر وبات لعور يشدو، فقال العلامة البشير ولد امباريگي:
إن للشاعر الشهير لصوتا :: جمع الحسن واللذاذة فيه
ناقص العقل من يُعاند شخصا :: نصر الله ما يقول بفيه
قوةُ الفمِ من يعاند ثغرا :: تفل الشيخ فيه سعد أبيه
وجاءه ابنه محمد عبد ” حمَّ ” ذات هول فقال لعور:
ابْحرْ مافيّ بَلْ اطريگْ :: للعومْ ءُ ذَ أنتَ جيتْ اليومْ
أَلاّ دَرْبِ راصكْ فاغْريگْ :: ولّ عُومْ إِلَ عتْ اتعومْ
قال حم :
ابحرْ گلتْ إنك ْذاكْ إمگادْ :: للعومْ ءُ جابرْ فيكْ اليُومْ
هوّ جدرْ الصَّدرَ لعادْ :: معلومْ إيْمعلمْ ذاكْ أَگُومْ
ويقول محمد باب ولد أحمد يوره مخاطبا لعور:
مگط اطْرَ وإلْتزْ إمعـــاكْ :: ول آدم بأعنادُ مَطــاح
ؤعندِ عنك زاد أورَ ذاكْ :: من عبادْ اللهْ الصّـلاّح
فأجابه لعور:
يالملحوگ إلِّ جاكْ إتغيثْ :: ءُ عالم و امجوّد واسْخِ شاحْ
ولِّ عندكْ منْ لَحاديثْ :: ألاَّ لحاديثْ الصحاحْ
ويحكى أن لعور راح لأحد العلماء ممن لا يرون الهول على الآلة، وجاءه لعور زائرا فقط ولم يصحب معه الآلة ولما جن الليل ناداه العالم وقال: اسم الله آن وانت نمدحو ارسول صلى الله عليه وسلم فطفقا يمدحان وكان العالم ندي الصوت فأنعشا ليلة من المديح قل النظير لها.
ذات درس كنا معا العلامة الإمام الأكبر بداه ولد البصيري، وبعد من المطهرة فتح الإمام باب الأسئلة، فسأل أحد الحاضرين عن حكم الغناء (الهول) فقال بداه:
كنت مع شيخي الشيخ أحمدو ولد أحمذي وكان يعرظني على كثيب خارج الحي وجاء الأعور ولد انگذي للحي بعدنا، وحين علم أن الشيخ خارج الحي، طرح آلته وخرج نحونا وما إن أبصر لعور الشيخ أحمدو حتى جعل أصبعه في أذنه وطفق ينشد، يقول بداه واصفا
حال شيخه الشيخ أحمدو الذي تملكه الطرب:
(تمْ ذَ لمرابط يحمارْ ويخظار) حتى فرغ الأعور من إنشاده فأعطاه ما قطع به لسانه وانصرف يضيف الإمام بداه: فهذا الهول قطعا لاشيء فيه، هول الرجل للرجل بدون آلة وهو ما شهدته بين شيخي الشيخ أحمدو ولعور.
سمعنا هول ابنه (حمَّ) وحسب العارفين فإنه لايمثل عشر جمال صوت أبيه (لعور) فكيف كان ذلك الصوت الخارق؟!
كامل الود
اكس ال اكس اكرك