مكافحة خطاب الكراهية

أربعاء, 18/03/2020 - 12:03

لوحظ في الآونة الأخيرة تنامي النعرات والأفكار والدعايات غير العقلانية المشحونة بالعداء والمقت والاحتقار والتي تحرض على الكراهية بين فئات الشعب الموريتاني. هذا التطور الخطير أظهر ضرورة تطبيق قانون تجريم التمييز العنصري وخطاب الكراهية، بشكل يردع كل من يحاول إثارة الفتن. ذلك لأن الكلمة قد تقتل، كما فعلت في رواندا، عندما أدى خطاب الكراهية، الذي تبنته بعض وسائل الإعلام، إلى إشعال الحرب الأهلية التي أدت إلى إبادة التُّوتْسي. هذه الحرب، وحروب أهلية أخرى نشبت في بلاد عدة، أظهرت خطورة خطاب الكراهية، لأن الكثير منها سببه التحريض على الكراهية الطائفية أو القومية أو العنصرية.
 
في كثير من دول العالم، تم الفصل بين حرية الرأي والتعبير وخطاب الكراهية. بقدر ما يجب ضمان الأولى، بقدر ما تجب محاربة الثاني، من أجل حماية حقوق الناس والأمن القومي. إن قمع خطاب الكراهية ضروري لأن هذا الخطاب يهاجم قيم التسامح والتعايش السلمي اللازمة لحياة المجتمعات البشرية. تضمن المواثيق الدولية حماية مختلف الفئات التي تشكل المجتمعات البشرية وتحظر خطاب الكراهية. هكذا تطالب الفقرة 2 من المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن: " تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف". هذا ما جعل لجنة القضاء على التمييز العنصري - وهي هيئة من الخبراء المستقلين تراقب تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري من قبل الدول الأطراف- في اجتماعها يومي 9 و 10 مايو 2018  تحث موريتانيا كدولة طرف على تطبيق القانون رقم 023/2018 الذي سنته لتجريم التمييز. هذا القانون، إذا تم تطبيقه بصرامة سيساهم بشكل فعال في القضاء على ظاهرة خطاب الكراهية. فما هي أحكام هذا القانون؟
 
 
أولا. الأحكام العامة
يعرف القانون التمييز وخطابَ الكراهية في مادتيه الأولى والثانية. فالتمييزُ يُقصد به "أي تفريق أو تهميش، أو تقييد، أو تفضيل يهدف، أو يمكن أن يهدف، أو يقضي إلى تخريب، أو عرقلة، أو الحد من الاعتراف، أو من التمتع، أو من منع ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية." أما خطاب الكراهية، فيُقصد به "التصريحات العامة التي تهدد أو تهين، أو تحط من شأن مجموعة معينة، أو تحتقرها، بسبب الانتماء العرقي، أو اللون، أو الأصل الإثني، أو على أساس الجنسية، أو الإعاقة، أو الجنس..." وفِي التعريفات، يعرف القانون الجماعات ذات الهوية المحددة، بأنها "كل جماعة تتميز بلونها، أو انتمائها العرقي أو أصلها الإثني، أو جنسها." ينص القانون على حظر جميع أشكال التمييز، القائمة على الانتماء الإثني، أو العرقي، أو اللغوي، وعلى أن الدولة تضمن احترام هذا المبدأ. وينص القانون أيضا على عدم التقادم بالنسبة للجرائم المتعلقة بالعنصرية، والتمييز، وأشكال خطاب الكراهية. يبادر وكيل الجمهورية تلقائيا، إلى متابعة مرتكب جرائم العنصرية، دون شكوى مسبقة، من الأشخاص والجماعات الذين يقعون ضحية لها.
 
ثانيا: الأفعال المجَرّمة بهذا القانون
جَرَّم القانون:
ـ تشجيع الخطاب الديني المحرض ضد المذهب الرسمي للجمهورية الإسلامية الموريتانية؛
ـ التحريض على التمييز والكراهية والعنف ضد شخص، أو مجموعة أشخاص بسبب الأصل أو الإثنية أو العرق؛
ـ الألفاظ والكتابات أو الصور ذات الطابع العنصري؛
ـ نشر أو توزيع أو دعم أو إرسال الألفاظ العنصرية التي يمكن أن تنم عن نية الإساءة المعنوية أو المادية، أو تحث على تشجيع الكراهية؛
ـ الحث على كراهية جماعات ذات هوية محددة؛
ـ التحريض على التمييز أو الكراهية ضد شخص بسبب عرقه، أو لونه، أو انتمائه، أو جنسيته، أو إثنيته، في اجتماعات أو أماكن عمومية، أو بحضور أشخاص، سواء كان ذلك بواسطة كتابات مطبوعة أو غير مطبوعة، أو صور، أو رموز ملصقة، أو موزعة، أو مباعة، أو معروضة للبيع، أو بواسطة كتابات لم تنشر، لكنها أرسلت أو أبلغت لعدة أشخاص؛
ـ التحريض على التمييز أو الفصل أو الكراهية أو العنف ضد جماعة أو فئة، أو ضد أعضائهما، بسبب عرق أو لون، أو انتماء، أو جنسية، أو إثنية تلك الجماعة أو الفئة؛
ـ اللجوء إلى التمييز؛
ـ الترويج للجوء إلى التمييز؛
ـ التمييز القائم على خدمة معينة، ويتعلق هذا الفعل بارتكاب تمييز عند تقديم عمل أو خدمة أو سلعة ضد شخص بسبب عرقه أو لونه أو انتمائه، أو أصله، أو جنسيته؛
ـ التمييز في العمل أو التوظيف، أو التكوين المهني، أو عروض التشغيل، أو الاكتتاب، أو تنفيذ التعاقد على العمل، أو فصل العمال؛
ـ التمييز عن طريق الصحافة. ويشمل التحريض على التمييز أو الكراهية، أو العنف أو السب بسبب الأصل، أو الانتماء العرقي أو الإثني أو الجنسية، أو تمجيد ذلك عن طريق الصحافة، أو وسائل الاتصال الأخرى؛
ـ ممارسة التمييز في إطار جماعة، ويشمل الانتماء إلى تكتل أو جمعية تمارس التمييز، أو الفصل، أو تحث عليهما، أو تساعد على ذلك؛
ـ التمييز الممارس من طرف الموظف العمومي ضد شخص بسبب عرقه، أو لونه، أو انتمائه، أو أصله؛
ـ نشر أو توزيع أو دعم أو إرسال عبارات يمكن أن تنم عن نية في الإساءة المعنوية أو المادية، أو تشجع على الكراهية؛
ـ الحث على الكراهية؛
ـ التحريض على التمييز ضد جماعة؛
ـ التمييز في العمل؛
ـ التمييز عن طريق الصحافة؛
ـ ارتكاب أعمال تعسفية من خلال تزوير أو محاكاة توقيع موظف عمومي.
 
ثالثا: العقوبات التي رتَّب القانون
رتب قانونُ تجريمِ التمييز، مجموعة من عقوبات الحبس، على الأفعال التي جَرَّمَها، مع عقوبات مالية إضافية (غرامات)، وعقوبات تكميلية يمكن تطبيقها في كل الحالات، تتعلق بالمنع من الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية بشكل كلي أو جزئي لمدة خمس سنوات. ونستعرض فيما يلي مجموعة العقوبات الحبسية التي نص عليها القانون:
ـ عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات. وتترتب على تشجيع الخطاب الديني المحرض على المذهب الرسمي للجمهورية الإسلامية الموريتانية؛
ـ عقوبة الحبس من 6 أشهر إلى سنة. وتترتب على ارتكاب أفعال التحريض على التمييز والكراهية والعنف، وعلى ارتكاب أفعال التمييز القائمة على خدمة معينة، وأفعال التمييز الممارسة في إطار جماعة؛
ـ عقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات بالنسبة للألفاظ والكتابات أو الصور ذات الطابع العنصري، وكذلك بالنسبة لارتكاب أفعال؛
ـ عقوبة الحبس من شهر واحد، إلى سنة. وتترتب على ارتكاب أفعال التحريض على التمييز، أو الكراهية، أو العنف ضد شخص بسبب عرقه، أو لونه، أو انتمائه، أو جنسيته، أو أصله الإثني، إذا وقع ذلك خلال اجتماعات أو في أماكن عمومية، أو بحضور شهود، أو بواسطة كتابات مطبوعة، أو غير مطبوعة، أو صور أو رموز ملصقة، أو موزعة، أو مباعة، أو معروضة للبيع، أو للجمهور، أو تم ذلك بواسطة كتابات لم تنشر، لكنها أرسلت أو أبلغت لعدة أشخاص؛
ـ عقوبة الحبس من سنة إلى سنتين. وتترتب على أفعال التمييز المرتكبة من طرف الموظفين العموميين؛ 
- عقوبة الحبس من 3 إلى 5 سنوات: وتترتب على ارتكاب الأعمال التعسفية، عن طريق تزوير ومحاكاة توقيع الموظفين العموميين؛
 
رابعا: ظروف مشددة
نص القانون على ظروف مشددة، في حالة توافرها تشدد العقوبة المالية (الغرامة) خاصة، وتتعلق هذه الظروف أساسا بارتكاب الصحفيين لجرائم التمييز بواسطة الصحافة، وكذا قيامهم بنشر الألفاظ والكتابات أو الصور ذات الطابع العنصري (المادتان 12 ـ 21).
 
خامسا: أحكام أخرى
نص القانون في مادته التاسعة على تخصيص يوم وطني، لمحاربة الممارسات التمييزية، على أن يحدد هذا اليوم، وطرق تخليده بمرسوم. ومن المأمول أن يحدد هذا المرسوم، كهدف ذي أولوية في هذا اليوم الوطني، مكافحة خطاب الكراهية. يجب تخصيص نسخة من هذا اليوم لخطاب الكراهية في الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الإلكترونية. أعطى القانون في المادة 26 منه، للجمعيات التي تهدف إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، المتمتعة بالشخصية القانونية منذ ما لا يقل عن خمس سنوات، الحقَّ في الترافع في جميع النزاعات التي ينطبق عليها هذا القانون.
 
أصبحت الإنترنت مرتعا لخطاب الكراهية، لأسباب ليس أقلها قدرة الشبكة على نشر هذا الخطاب دون ذكر اسم الناشر، أو تحت اسم مستعار. ما يجعل قوانين مكافحة الكراهية تكتسي أهمية في المجتمعات الحديثة متعددة الثقافات. تطور الإنترنت كثيرا في السنوات الخمس الماضية وبات يصل إلى جميع الطبقات الاجتماعية وتضاعف نشاط المدونين الذين صاروا يعرضون "الغسيل الاجتماعي" القذر في هذه المساحة الكبيرة والمفتوحة الجديدة، الفضاء الإلكتروني الذي أنشأته شبكات التواصل الاجتماعي .تشكل السوشيال ميديا أرضية خصبة لجميع أنواع التطرف وأحدثت انحرافا خطيرا في الخطاب السياسي، في ظرف يشهد فيه المجتمع الموريتاني تحولات اجتماعية وسياسية مواتية لنشر الكراهية.
ساهم غياب المهنية والأخلاقيات في وسائل الإعلام الوطنية في انتشار خطاب الكراهية، وخلق منطقة رمادية بين السياسيين والإعلاميين والسوشيال ميديا. وطالما أنه لا يمكن وقف طموحات السياسيين أو تقليل تطلعاتهم، أو منع المتطرفين من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فإن التصدي لهذه المنطقة الرمادية، التي تلعب دورا أساسيا في نشر خطاب الكراهية، يعتمد بشكل كبير على الصحفيين وقدرتهم على تطوير مهنيتهم ​​واستقلاليتهم ومسؤوليتهم الاجتماعية.
 
ينبغي النظر في عدد من التدابير لمكافحة خطاب الكراهية بشكل فعال:
1. إدخال "التربية الإعلامية" في نظام التعليم الوطني، من أجل تكوين مواطنين قادرين على استقبال وتقييم المعلومات المتدفقة من وسائل الإعلام، والتفاعل مع المعلومات الواردة، بهدف تكوين مواطنين مزودين بأدوات تقييم لمحتوى وسائل الإعلام. إن ثقافة التحقق من المعلومات قادرة على تكوين رأي عام بمقدوره أن يستوعب التغيرات الاجتماعية والتحولات السياسية والثقافية والإعلامية.
2. إن نبذ خطاب الكراهية من الإعلام المهني يتطلب تدريباً نوعياً يرفع من المستوى المهني للصحفيين. فالمهنية والاستقلالية تمنع وسائل الإعلام من أن تكون منصة لنشر خطاب الكراهية والخطاب المتطرف.
3. أحد مصادر التحريض على خطاب الكراهية هو السباق المحموم بين صحافة المواطن ووسائل التواصل الاجتماعي من جهة والصحافة المهنية والسوشيال ميديا من جهة أخرى. ومن هنا جاءت الحاجة إلى وضع مدونة عامة للأخلاقيات والقواعد المهنية لإنتاج المادة الإعلامية.
4. الأزمات السياسية والاجتماعية تنتج ظروفا مؤاتيه للاستقطاب الاجتماعي والسياسي وازدراء الآخرين وكرههم. يتطلب هذا النوع من الظروف تنفيذ أدلاء تحريرية وأخلاقية لمنع استخدام وسائل الإعلام للتحريض على الكراهية والازدراء.
5. تغيير الثقافة الإعلامية في غرف الأخبار وتطوير ثقافة التسامح، ثقافة تحترم التعددية والتنوع وتغرس قيم التسامح وتخلق مقاومة وحصانة للمجتمع ضد خطاب الكراهية.
6. إنشاء مرصد وطني يتتبع ويراقب الدعاية التي تحرض على الكراهية في وسائل الإعلام المهنية ووسائل التواصل الاجتماعي.