لم تزل غيوم اليأس تتلبد في سماء موريتانيا، تحكي قصصا طويلة من النضال والصمود والتضحيات.
ولم تزل النفوس الرفيعة والعقول النيرة تسعى وراء التغيير، جيلا بعد جيل، ليروا أحلامهم تختنق بحبائل الأخطاء السياسية والتحولات العاثرة والأنانيات الضيقة.
ما عاد بعض الساسة الموريتانيين يثق في بعض. وما عاد المواطنون يصدقون أحدا أو يحلمون بشيء، مما ألحق أضرارا بالغة بطاقاتنا الجماعية ومشاريعنا المشتركة.
غير أن في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري، مهما كانت حُلْكتها، يوجد سلَّم للصعود ينبغي البحث عنه والصعود معه. وها هي نضالات الأمس تسهِّل طريق اليوم. وها هي إبداعات الإنسان الذهنية والتكنولوجية تتضخم كَمًّا ونوعا، تَعرض نفسها كأنها منارات تضيء الطريق وتفتح الآفاق.
لم تعُد مفاتيح التغيير وأدوات النصر مقصورة على السلطة، أو بين يدي ثلة من الناس قليلة. بل أصبحت متناثرة في كل مكان، متاحة لكل من يستوعبها ويحسن استغلالها. والفرص لا تعدُّ ولا تحصى.
وإذا كانت انتخابات الثالث عشر مايو قد نَكَتت نكتة سوداء في قلب الضمير الجمعي الموريتاني، إلا أنها بعثت، بالمقابل، بصيصا من الأمل في كسر الجمود وتوحيد قوى التغيير في أفق رئاسيات 2024.
فهل ستحسن المعارضة الحزبية المعترف بها توظيف هذه اللحظة الدقيقة وتحويلها إلى طاقة سياسية ووقود شعبي؟ وما الذي يمكنها القيام به؟
عقدت المعارضة - حتى الآن - مؤتمرا صحفيا جماعيا، وأصدرت بيانا مشتركا، ونظمت مهرجانا شعبيا ومسيرة. وما زالت تتفق على نقطة واحدة هي رفض نتائج الانتخابات الأخيرة.
ورغم أهمية سلسلة النشاطات هذه وافتقاد الساحة النضالية لها منذ وقت، إلا أن الرؤية السياسية وبرنامج المرحلة شيء آخر، لم يبرز بعد للعموم.
فأول ما ينتظر من المعارضة اليوم، وفي كل مرحلة من مراحلها، هو السعي وراء زمام المبادرة، وتجديد الرؤية والخطاب، والبحث عن معركة أصيلة تخوضها، والتضحية ببعض ما لديها أو تستثمر فيه.
وأول ما ينبغي للمعارضة التضحية به اليوم، خدمةً للوطن وإرضاءً للجماهير، هو النظام نفسه وعلاقتها به، والتكفير عن أربع سنوات من التماهي معه، ومداهنته وملاقاته ومحاورته، والمشاركة في مواسمه دون أدنى مستوى من الضمانات، وفي ظل حكامة سياسية واقتصادية وانتخابية لا يختلف في تقييمها اثنان.
فهل من قادة المعارضة ورموزها وأحزابها من هو مستعد للتصريح اليوم، وبشكل مقنع هجومي، بأن النظام فقد مصداقيته، أو حتى شرعيته، وأن العلاقة الودية معه قد انبتت، والتواصل معه توقف؟
ألم تتفق المعارضة التاريخية والجديدة والوسط، وتجزم بأن النظام زوَّر إرادة الشعب، وجاء بسلطة تشريعية ومجالس بلدية وجهوية غير شرعية؟ وأنه لم يقف يوما عند كلمته والتزاماته بشأن الحوار والتشاور ومحاربة الفساد واحترام الحريات وتطبيق القانون؟ وهل من شيء فوق هذا؟
لا أرى من شيء تخسره المعارضة التاريخية اليوم أكبر مما خسرته في الأربع سنوات الماضية، متوجة بالنتائج الانتخابية الأخيرة. ولذلك آن الأوان لتخرج هذه المعارضة أسلحتها التقليدية الفتاكة. وهي وحدتها ورمزيتها ووضوح موقفها وسقف مطالبها.
وإذا كان الراحل محمد المصطفى ولد بدر الدين قد شبه محمد ولد الشيخ الغزواني بصاحب الرصيد الفوقاني الذي ينفَد إذا لم تستخدمه في أجل محدود، فإنه ما زال لدى المعارضة الحزبية سلاح فتاك لن يكون، هو الآخر، صالحا للاستخدام بعد أشهر من الآن.