نذو عدة أيام ، و في حين غفلة من أولياء الأمر على المستوى المركزي ، و انشغالهم بأولويات وطنية كبرى ، و في ذروة حر الصيف اللافح و أيامه المغبرة ، و وسط المخاوف من انتشار موجة جديدة من وباء " كورونا" و حيث الناس في الداخل --- و خصوصا في الجنوب و الجنوب الشرقي من الوطن --- قلقة على مصير الثروة الحيوانية مصدر عيشها الوحيد لما يتهددها من أخطار ، و حيث سجلت بهذه المناطق بؤر مجاعة حقيقية نتيجة توالي سنوات الجفاف الأخيرة و شح الأمطار.
في طقس و وضع معيشي هذه مواصفاتهما و في ولاية لعصابه بالذات ، تتحرك قافلة السياحة و الترف و البذخ المنظمة من طرف شبكة إذاعة موريتانيا بقيادة مديرها العام و طاقم مميز من إمبراطورية ولد سيد محمد.
ففي مدينة كيفه و بتاريخ : 02 يونيو 2022 ، حيث سجلت درجة الحرارة °46 وتراجع مستوى الرؤية إلى أقل من 100م نتيجة كثافة الغبار ، حلت قافلة ولد سيد محمد برتل سياراتها الفارهة المكيفة رباعية الدفع ، و التي تحمل إضافة إلى السيد المدير و أعوانه و طواقمه الفنية و عتاده من خيم و افرشة و كراسي ، عددا كبيرا من المسرحيين و الكوميديين و المهرجين و حتى الحراس الشخصيين لسيادته .
حل وفد إمبراطورية مدير شبكة إذاعة موريتانيا بمدينة كيفه ، في رابع محطة له في جولته السياحية بالداخل المبررة تحت عنوان : ( تدشين و إطلاق محطات بث جديدة ) . اقتصرت محطة كيفه على نقل المحطة الموجودة أصلا من مقرها القديم بحي " صكطار" إلى مقر جديد في الحي الإداري ، و بالذات في مكاتب كانت تستغلها الولاية وتم إستغناؤها عنها . حفل الترحيل هذا الذي تمت تسميته حفل تدشين تجاوزا لما تحمله كلمتي : ( ترحيل و تدشين ) من اختلاف في المعنى ، صاحبته مظاهر من البذخ و الإسراف ، وحتى تصرفات عادت بذاكرة و عقلية الحضور إلى عقود خلت عندما تعالت أصوات المهرجين بالمدح و التمجيد لشخص المدير مقاطعة المداخلات ليتم الرد على اصحابها بالعطاء بسخاء ، تماما كما يحدث فى مناسبات الأعراس( عرس امشعشع)، وتم التعرض بقوة لكل المنتقدين لهذا الأسلوب من طرف اعوان المدير و حرسه الخاص . هذا وسط الحديث عن فواتير منتفخة إلي حد الإنفجار ، كفاتو رة الضيافة لمدة 24 ساعة التي حسبت بالملايين حسب البعض و حقيبة الهدايا و الإكراميات التي لا تقل قيمة هي الأخرى ، في الوقت الذي لم تستفد فيه مؤجرات الخيام و الأفرشة ولا أصحاب قاعات الحفلات من تأجير أثاثهم كما هو العادة ، لأن جميع هذه المستلزمات كانت مستجلبة مع القافلة . بعد خطاب سياسي بامتياز من طرف المدير العام لشبكة إذاعة موريتانيا أخذ فيه من كل فن بطرف ، كان الموضوع الوحيد الغائب فيه هو الحديث عن الإعلام المسموع ، أهميته و دوره في ترقية الشعوب ، الموضوع الذي كان يفترض ان يكون الوحيد في هذا المقام ، ليحل محله الحديث عن ما أسماها المدير 60 سنة من الهراء و مشاحنات حسب وصفه هي الأخري عمرها 60 سنة، ليختم بالقسم أن أصحاب هذه الفترة و هم من وصفهم بزعمه أنهم خولوا انفسهم ما لم تمنحهم صناديق الإقتراع ، لن ينتظرهم قطار الحوار و لن يخدعوا ما اسماه المدير بالقوة الهادئة. بعد هذا الخطاب الذي خول فيه مدير شبكة إذاعة موريتانيا نفسه النطق بإسم الحكومة ، ليعلن عدم توقف مسار تحضير الحوار عكس ما تحفظ عليه الأمين لرئاسة الجمهورية ، و لم يفت على المدير أن يقحم كلمتي( التهدئة والمهادنة) وليدتي البارحة على لسان ولد الواقف في قاموس خطاب المرحلة. بعد هذا الخطاب المثير الذي انتظر الحضور نهايته على أحر من الجمر في يوم سموم ، تم قطع الشريط الرمزي و بداية فقرات حفل التدشين المزعوم ، ليسدل الستار على المشهد الأول من مسرحية( حفل تدشين المحطة الجهوية لإذاعة كيفه ). ليعود الحضور الساعة السادسة بعد العصر إلى فضاء مفتوح بالمقر الجديد ، و يعتلي الممثلون الخشبة من جديد بحضور وزير الثقافة و الشباب و الرياضة و العلاقة مع البرلمان وسط حضور لافت للمهرجين و الأعوان و عدد كبير من كاميرات التصوير ، و يسحب الستار عن المشهد الثاني تحت عنوان( لقاء الروابط و الأندية الشبابية و الجمعوية ). كنت آخر المتدخلين في هذا المشهد ، بعد جهد جهيد قابله إصرار من مدير المحطة بمباركة من مديره العام على عدم منحي فرصة التدخل ليحسم الوزير الأمر باستدعائي إلى المنصة. و أمام الواقع و هو وجودي خلف الميكروفون — الذي لا يروق للبعض — ما كان من المديرين العام و الجهوي إلا أن أحاطا بي على منصة الخطابة معززين ببعض اعوانهم في مشاغية و تشويش مفضوحين على مداخلتي ، تخللتهما من المديرين عبارات نابية تجاهلتها و استرسلت في الحديث مركزا على نقاط أساسية أهمها :
— - العمل على السمو بالخطاب في الإعلان الرسمي و الخروج به من الإرتهان للدوائر السياسية في الأنظمة الحاكمة. اوك
— - افتقار الإعلام الرسمي( الإذاعة ) إلى مسطرة برامجية ( دينية و اجتماعية و ثقافية و صحية و ترفيهية...إلخ).
الإقلاع عن ما دأبت عليه الإذاعة من عمليات اجترار الإنتاج الإذاعي لملئ الفراغ مما يؤدي إلى ملل وعزوف المستمعين لقناعتهم أنهم لا ينتظرون جديدا في المسطرة الإذاعية.
بعد عرض هذه المواضيع و محاولة الإنتقال إلى غيرها ، أدركني تعالي الصياح وسكتت عن الكلام المباح و غادرت المنصة لأرتاح.
وهكذا فاتني المشهد الثالث و الأخير من مسرحية (تدشين المحطة الجهوية لإذاعة كيفه )، و الذي كان تحت عنوان : ( سهرة فنية و أدبية بمقر الإذاعة القديم).
أياك تعرف عنه كانت خالكه.
بقلم / النهاه ولد احمدو
نقلا عن وكالة كيفه للانباء